أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

ما هو الفرق بين التمثيل المسرحي و السينمائي؟

بقلم الأستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى مقدمة لابد منها : ما هو الفرق بين التمثيل المسرحي و السينمائي؟
اولا : كثيرا ما نسمع هذه العبارة إن التمثيل هو التمثيل ، سواء علي خشبة المسرح او امام الكاميرا .. والحقيقة هي أن التمثيل هو التمثيل من ناحية. وليس هو نفسه من ناحية أخري ، فالتمثيل هو التمثيل من ناحية الانفعال الداخلي. فمشاعر الحزن او الحب مثلا هي نفسها عند ممثل المسرح وممثل السينما علي السواء ، ولكنه ليس هو من ناحية الشكل الخارجي للانفعال. ان كل من المسرح والسينما ، مجرد وسيط ناقل للفعل التمثيلي المعبر عن الانفعالات. ولكل منهما تقنيات مختلفة ، وهي تفرض نفسها علي شكل هذا الفعل سواء كان مرئيا أو مسموعا. وهو ما سنحاول الحديث عنه تفصيلا.

ثانيا : كثيرا أيضا ما نسمع ان التمثيل للمسرح يتطلب شكلا من أشكال المبالغة في الأداء وهو في الحقيقة قول غير صحيح علي إطلاقه. ان كلمة مبالغ فيه لا تقال إلا قياسا علي شئ آخر يفترض أنه معتدل او غير مبالغ فيه. وهذا القياس غير واضح وغير محدد. فإذا كان قياسا علي التمثيل السينمائي ، فقد يحتاج هذا التمثيل إلي نفس الشكل من الأداء المسرحي الموصوم بالمبالغة ، في اللقطات البعيدة او الواسعة. ان الأمر في الحقيقة يتوقف علي قانون المسافة ، فحين تكون قريبا من أحد الأشخاص فلا يجب أن تتحدث إليه بصوت مرتفع وإلا كنت مبالغا.

والمبالغة هنا قياسا علي حاجة المسافة بينكما ، ولكن هذا الصوت المرتفع نفسه يصبح مناسبا وغير مبالغ فيه ، إذا كان الشخص بعيدا عنك. فإذا كانت المسافة بين المتفرج وما يجري علي خشبة المسرح تعد بعيدة إلي حد ما ، خاصة في المسرح التقليدي ، فإنها تستلزم ما يناسبها ، فليس في المسرح إذن مبالغة في الأداء، وإنما فيه ما يناسبه تماما. يضاف إلي ذلك ان هناك أشكالا مختلفة من المسرح ، تختلف بها هذه المسافة حتي تصبح قريبة جدا ، كمسرح الغرفة مثلا ، وهو يستدعي أيضا ما يناسبه من شكل الأداء الذي يقترب كثيرا من شكل الأداء إمام الكاميرا. إن التعميم او ترديد المقولات العامة لا محل له في الإجابة الدقيقة علي هذا السؤال. سنحاول الآن تحديد الفروق الدقيقة التي تفرضها تقنيات كل من المسرح والسينما علي التمثيل.

ما هو الفرق بين التمثيل المسرحي و السينمائي؟

إختلاف الزاوية والحجم

يتسم المسرح بزاوية الرؤية الثابتة بالنسبة للمتفرج الواحد سواء كان جالسا في منتصف الصالة او في يمينها او يسارها ، وكذلك يتسم بحجم الكادر الثابت. ففي المسرح : حجم ثابت وزاوية ثابتة طوال العرض ، وهو ما يستلزم بالضرورة صورة او شكل خارجي ثابت للانفعال. أما في السينما فيختلف الحجم او الزاوية او كلاهما معا بأختلاف اللقطة ، فالمخرج السينمائي يقوم بتقسيم المشهد إلي مجموعة من اللقطات. وهو ما يسمي الديكوباج. والفارق بين لقطة واخري هو اختلاف في زاوية الكاميرا او في حجم الكادر او كلاهما معا. وهو ما يستلزم بالضرورة صورة او شكل خارجي متغير للانفعال بتغير اللقطات. تستلزم اللقطات القريبة او القريبة جدا شكل او صورة خارجية مقتصدة للانفعال. بحيث يصبح الإعتماد الأكبر علي العينين وأقل القليل من تعبيرات وحركة عضلات الوجه.

علي حين تتيح اللقطات الواسعة او البعيدة حرية أكبر في استخدام الجسم بكامله وكذلك اليدين وتعبيرات الوجه بشكل يقترب كثيرا من استخدامهم في المسرح. وقد يصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للممثل في السينما ، وذلك بتغير الحجم داخل اللقطة الواحدة عن طريق حركة الكاميرا او حركة الممثل نفسه. فقد تبدأ القطة بحجم واسع وتنتهي بحجم قريب او ضيق او العكس ، وهو الأمر الذي يستلزم تغيير الشكل الخارجي للانفعال داخل اللقطة الواحدة. كذلك تؤثر زاوية الكاميرا علي صورة انفعال الممثل بشكل غير مباشر ، سواء كانت من أعلي او من اسفل ، او من مستوي النظر ، وأيضا وضع جسم الممثل في الكادر.

فالوضع الجانبي للوجه مثلا ، حيث العينين غير ظاهرتين يختلف عن وضع المواجهة او وضع الزاوية ٤٥. وقد يحدث أحيانا أن يتم تصوير اللقطة الواحدة من أكثر من زاوية. بأستخدام أكثر من كاميرا ، علي ان يتم الاختيار بينهما أثناء عمل المونتاج. أما ما يتعلق بالصوت فتحدد مسافة بعد المتفرج عن خشبة المسرح مستوي الصوت المناسب وكذلك استخدام ميكروفونات أم لا. أما في السينما فيحدد مهندس الصوت وضع الميكرفون وبالتالي مستوي الصوت المطلوب من الممثل.


الوحدات الانفعالية او الشعورية

تنقسم المسرحية إلي فصول او لوحات او مشاهد ، وينقسم السيناريو إلي مشاهد ، والفارق بين المشهد والمشهد الذي يليه هو اختلاف المكان او الزمان او كلاهما معا. والمقصود بالوحدة الشعورية هنا هي تلك المدة الزمنية بين دخول الممثل إلي خشبة المسرح وخروجه منها او بين قول المخرج ( أكشن ) وقوله ( استوب ) ، وهي المدة الزمنية للقطة السينمائية. ومن الواضح أن الوحدة الشعورية في المسرح تختلف تماما ، فقد تكون مشهد كامل او جزء منه ، وقد تكون فصل كامل ، تبلغ مدته الساعة تقريبا. علي حين تكون هذه الوحدة قصيرة إلي حد كبير في التمثيل السينمائي ، فقد تكون بضعة ثواني ويصعب ان تتجاوز دقيقة او دقيقتين. ان هذا الاختلاف يجعل التمثيل السينمائي مجزأ او مشذر أي مقسم إلي شذرات او أجزاء قصيرة وهو غير مرضي او مشبع للممثل المسرحي.


راكور الأنفعال

يعد الراكور بشكل عام خاصية سينمائية ، فهو ينتج عن تصوير المشاهد واللقطات بغير الترتيب الطبيعي والمتسلسل لها. وهو انواع مختلفة منها راكور الانفعال الذي لا يوجد بالطبع في التمثيل المسرحي ، وهو يحدث سينمائيا لأن تصوير اللقطات لا يتم أحيانا بالترتيب المنطقي والدرامي لها. فقد يتطلب الأمر تصوير آخر لقطات المشهد في بداية التصوير او العكس وهو ما يستلزم من ممثل السينما بناء تصور ذهني واضح عن المراحل الانفعالية للمشهد بحيث يكون مستعدا للبدء. بأي مرحلة منها مع مراعاة التسليم لما بعدها والتسلم مما هو قبلها وهو ما يعرف براكور الانفعال. وهو ما يحدث ايضا بالنسبة لمشاهد الفيلم بكاملها ، وهو لا يوجد بالطبع في التمثيل المسرحي.

علي ممثل السينما إذن أن يسأل نفسه دائما هذه اللقطة ( وكذلك المشهد ) التي ساقوم بتصويرها الآن ماذا كان قبلها وماذا سيكون بعدها ، وهل تم تصوير أيا منهما أم لا ؟ وكيف أحقق الانسجام بين هذه اللقطات ( والمشاهد ). بحيث يبدو التدرج الانفعالي بينها منطقيا وطبيعيا. إن التمثيل السينمائي إذن يختلف عن التمثيل المسرحي من حيث انه لا يتبع التسلسل الطبيعي والمنطقي للدراما ، بل يقلبها رأسا علي عقب.


اوفر لاب

وهو يعني سينمائيا تكرار الممثل لجملة او حركة تم تصويرها في نهاية لقطة ، في بداية اللقطة التالية لها ، علي ان يتم هذا التكرار بنفس الشكل والإيقاع الذي تم به من قبل. والهدف منه هو إيجاد أكثر من إمكانية في تركيب اللقطتين معا في المونتاج ، وهو بالطبع لا يوجد في التمثيل المسرحي. اتجاه النظر او التمثيل للفراغ يحدث في بعض اللقطات السينمائية ان يكون الممثل الآخر ، خاصة إذا كان نجما ، غير موجود في تصوير اللقطة. فيجد الممثل نفسه يمثل إلي الفراغ او إلي المكان المفترض وجود هذا الممثل الغائب فيه.

وقد حدده له مساعد المخرج بإشارة من يده او بوضع علامة ما تحدد اتجاه النظر. وعلي الممثل ان يتخيل وجود الممثل الآخر في نفس المكان. وقد يحدث نفس الشئ أيضا حين يكون ممثل السينما ناظرا إلي حدث يتم خارج الكادر. وهو بالطبع لا يحدث امامه بالفعل. وإنما سيتم تصويره فيما بعد وتركيبه عن طريق المونتاج. وعلي الممثل اذن أن يتخيل وكأن الحدث يتم امامه بالفعل. ومثال ذلك ان ينظر الممثل إلي منزله وهو يحترق مثلا او إلي أسد او غير ذلك. وهو ما يسمي بلقطة رد الفعل ، هذا الشكل من التمثيل للفراغ مع تحديد اتجاه النظر ، لا يوجد بالطبع في التمثيل المسرحي.


تدخل المونتاج

إن ممثل المسرح يعد هو المتحكم والمسيطر علي ما يظهر من تمثيله ، أما ممثل السينما فهو في الحقيقة تحت سيطرة المخرج حتي النهاية. فهو المتحكم فيما يظهر من الممثل علي الشاشة ، يلجأ بعض المخرجين أحيانا الي حذف لقطات للممثل قد تكون هامة. ومثال ذلك ما حدث في فيلم غروب وشروق فقد قام كمال الشيخ بحذف لقطة رائعة لمحمود المليجي في نهاية الفيلم لانها ستجعل المتفرج يتعاطف مع الشخصية. وهو غير مطلوب دراميا ، وقد يتعمد بعض المخرجين ذلك لمصلحة النجم مثلا او بحجة طول الفيلم. وكثيرا ما نسمع هذه العبارة من ممثلي السينما : لقد تم حذف اغلب عملي في المونتاج.


التفاعل الحي والمباشر

إن المسرح يعد حالة فريدة ورائعة بالنسبة للممثل ، حيث التفاعل الحي ورد الفعل الفوري من قبل المتفرج ، إلا أنها ويا للأسف حالة زائلة ، تزول وتنتهي بانتهاء العرض. ولا يمكن تعويضها بتسجيلها بواسطة الكاميرا ، فهي تتحول الي وسيط اخر وتفقد بهذا وجودها الحقيقي ، الحضور الحي والمباشر للممثل علي خشبة المسرح. وهو الحضور الذي يتكرر طوال أيام العرض ويختلف باختلاف الجمهور. إن تصوير أي مسرحية هو اشبه بتحنيط لجسد حي فقد وجوده الحقيقيقي. كانت هذه معظم الفروق بين التمثيل المسرحي والسينمائي ، وهي ليست كلها بالطبع ، وهو ما يسره هذا الحيز المحدود. ولابد في النهاية من القول بأن الوعي النظري بهذه الفروق غير كاف بالقطع ، وإنما لابد من الخبرة العملية والتدريب.

بقلم الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الهادى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-